الاثنين، 22 فبراير 2010

مقالة للدكتور إبراهيم حمّامي عن العملية الجبانة لإغتيال البطل الشهيد محمود المبحوح تحت عنوان : حماس وتسييس الجريمة




ما زالت تفاعلات قضية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح تتفاعل وعلى كافة الأصعدة، ودخلت في مرحلة تسييس واضحة ومن كل الأطراف، ورغم وضوح المستفيد المنفذ، لم توجه له اتهامات رسمية بعد، بل يحاول الجميع ايجاد مخارج لقضية لا يُعرف إلى أين تتجه.
تسييس القضية بدأ من خلال تورط البعض في قضية الجوازات المزورة أو الصحيحة، ودخول أطراف اقليمية ودولية على خط التحقيقات، والخروج في الوقت ذاته لشرطة دبي عن المتعارف عليه أمنياً وجنائياً في مثل هذه الحالات من حيث الالتزام بالتحقيق الجنائي، والتحدث عن حاجة الشعب الفلسطيني للانتفاض على حركتي فتح وحماس وايجاد قيادة بديلة، وهو الأمر الذي لا علاقة له بتحقيق أو جريمة أو أمن بل تدخل سياسي مباشر غير موفق لا يعرف القصد منه.
في ذات الوقت لم تستطع حركة حماس حتى اللحظة في التعاطي مع تلك التطورات بشكل واضح وبطريقة منتظمة، وهنا نسجل بعض الملاحظات:
· تضارب تصريحات الناطقين باسم حركة حماس من حيث توجيه الاتهامات لأطراف فلسطينية بعينها بالمشاركة في عملية الاغتيال من عدمها
· التهديدات العاطفية بنقل المواجهة مع الاحتلال للخارج وهو ما ينعكس سلباً وبالكامل مع أي تعاطف أو تطور في العلاقات، ويهدد الوجود الفلسطيني بكليّته في الشتات، ويصب في ملعب الاحتلال الذي يحاول جاهداً نقل أزمته لساحات أخرى.
· محاولة ايجاد مبررات لنفي الاختراق الأمني الداخلي الذي تلعب عليه بعض الأطراف للتخفيف من ورطتها، وصل حد لوم الضحية بالتخلي عن الحرص الأمني والحديث لعائلته عن الزيارة وموعدها ومكان نزوله (أي فندق).
· هذا التبرير يتجاوز حتى التحقيقات التي تثبت أن الفريق المنفذ للجريمة لم يكن على علم بالفندق الذي سيقيم فيه الشهيد المبحوح
· عدم وجود مرجعية واحدة للتعامل مع القضية، ولا مصدر واحد لاستقاء المعلومات والموقف الرسمي لحماس، كما جرت العادة بالتمسك بالبيانات الرسمية لكتائب القسام مثلاً فيما يتعلق بالامور العسكرية
· التعامل مع الحدث بطريقة ردة الفعل، والرد والتفنيد كما حدث في اتهام نهرو مسعود في دمشق
· عدم وجود رواية رسمية لحركة حماس توازي الرواية الرسمية للتحقيقات، وفي هذه الجزئية الهامة جداً نسجل التالي:

- المغدور بدأت رحلته الأخيرة من دمشق، وبالتالي خيوط الجريمة بدأت قبل تنفيذها مكاناً وزماناً
- لا يعني ذلك بالضرورة وجود عميل أو اختراق كما يصور البعض، رغم امكانية ذلك كحقيقة تحتاج لتحقيق فوري مطلوب دون تباطؤ
- المغدور سبق وان تعرّض لعمليات اغتيال وملاحقة من دبي إلى الصين، أي أنه ملاحق وعن كثب في كل خطوة ونفس ومن مدة طويلة
- أي أنه كان مرصوداً وبعناية، ومع التقنيات الحديثة ووجود العملاء، يمكن التتبع والتنصت ومعرفة كافة التحركات
- بحسب تحقيقات شرطة دبي فقد سبق للمغدور أن دخل دبي وكانت ذات المجموعة هناك تنتظره وسافرت معه إلى الصين بحسب التحقيقات، وهو ما يثبت أن الأمر ليس وليد ليلة قبل السفر، ويثبت أيضاً أن دبي تحديداً كانت مرتعاً لعمل هؤلاء ولفترة طويلة
- الاحتمال الأكبر أن المغدور يستخدم ذات الفندق أو الفنادق خلال مروره بدبي، ولذلك تم رصد تلك المجموعة الفندقية وتتبع المغدور من المطار لمعرفة وتحديد الفندق المطلوب
- حقيقة أن الحجز تم قبل يوم واحد، لا يعني ن هناك من بلّغ عن موعد الوصول، لأن الشهيد حجز باسمه الصحيح وبنفس جواز السفر الذي استخدمه سابقاً
- كلنا يعلم أن الحجز على شركات الطيران لا يتم إلا باستخدام الاسم كما هو في جواز السفر
- بالتالي فإن الحجز يُسجل تلقائياً في قوائم المسافرين، التي تشترك فيها معظم شركات الطيران، ودبي تحديداً جزء من منظومة عالمية تشترك في تبادل المعلومات، ومن أوائل الدول التي اعتمدت أحدث التقنيات مثل بصمة العين
- معلومات الحجز هي معلومات أمنية تصل لأجهزة المخابرات دون أدنى عناء أو تعب، أي أن موعد وزمن الرحلة الذي يستند إليه البعض في ترويج نظرية الاختراق، من الممكن لأي جهاز مخابرات أن يعرفه بضغطة زر على جهاز حاسوب من أي بقعة في العالم
- أجهزة المخابرات تلك والدول التي تتبعها، لم تعترض على الجريمة واختراق سيادة دولة هي الامارات العربية المتحدة، بل أزعجها استخدام جوازات سفر تابعة لها
- بمعنى أنه لو لم يتم استخدام تلك الجوازات فلا مشكلة مع الجريمة التي لم تدينها أي دولة لا عربية ولا أجنبية
- الوحيد في كل القضية الذي لم يدخل بجواز مزور وباسمه الصحيح – حسب الرواية القائمة للآن – هو المغدور محمود المبحوح رحمه الله
- لا يتصور عاقل ومتابع أن العملية الجريمة تمت بمجرد التبليغ عن موعد الرحلة، لأن العمليات الشبيهة تحتاج لأشهر ان لم يكن سنوات لتنفيذها
- حقيقة وجود متورطين فلسطينيين باتت ثابتة، والاختراق أسهل في حال تورط أبناء جلدتنا، تماماً كما وصلوا لبحيى عياش بعد اشهر من قدوم السلطة رغم فشلهم لسنوات في الوصول اليه
- السلطة تلك لم تفتح تحقيقاً رسمياً بالأمر رغم أن المغدور فلسطيني وبعض المشتبه بهم من أجهزتها الأمنية، ولا ندري ان كانوا ما زالوا يتقاضون مرتبا منها، وهو السؤال الذي نطرحه اليوم
بطبيعة الحال وبعد انكشاف أمر جهات فلسطينية معروفة صرّحت سابقاً أن الموقوفين من حماس وفي تصريح علني لمسؤول أمني، وبعد تصريحات أحد ناطقي فتح بأن مفتاح اللغز مع نهرو مسعود، ووسط روايات خيالية خالية من أي حقيقة، بعد كل هذا تتلقف تلك الجهات ومعها بعض المواقع المستقلة جدا جدا جملة في تصريح لضاحي خلفان لتصر على مواقفها التي سقطت.
لم تكشف دبي حتى الآن عن كل ما بحوزتها من معلومات، وترفض التصريح عن أسماء الموقوفين الفلسطينيين، وتركت الأمر لصحيفة هآرتس للافصاح عن الأسماء دون أي تعليق، وتُصّر في الوقت ذاته، دون تقديم دليل على نظرية الاختراق الأمني، تلك النظرية التي أوقعت حماس في التخبط المذكور، وترفض في الوقت ذاته شرطة دبي أي تعاون مع حركة حماس في التحقيق، في الوقت الذي تعلن فيه عن تعاونها مع أجهزة أمنية أوروبية، رغم أهمية ذلك التعاون الذي سيكشف على الأقل تحركات المغدور قبل وصوله لدبي واتصالاته وغيرها من الأمور التي ستسد ثغرات ما زالت غامضة.
بلا شك أن امارة دبي قد سجلت نجاحاً أمنياً باهراً يستحق التنويه والتحية، ينقصه برأينا المتواضع الكياسة السياسية، التي أدخلتهم في متاهات الشأن الفلسطيني بقصد أو بدونه، وكذلك بعض الثغرات فيما عرض، كعدم تسجيل لحظة دخول وخروج المجرمين لتنفيذ جريمتهم الساعة 08:25 يوم 19/01/2010، وهو الأمر الذي يبقى دون تفسير، خاصة أن هذا هو دليل الادانة الحقيقي أمام ما عرض من تسجيلات لا تثبت إلا وجود مجموعة تتحرك في المطار والفنادق.
ليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التخبط في مواجهة اعلام موجه ومركز ومعادي، ما يعكس اشكالية اعلامية بحاجة لاعادة نظر، خاصة أن الأطراف الأخرى لا تتعامل بأخلاق أو مهنية، وترتبط بعلاقات وثيقة مع قوى اقليمية أخرى، تنتظر لحظة الانقضاض على كل من هو خارج مشروع التسوية.
بصراحة شديدة نقول أننا لا نتوقع أن تسفر القضية عن اعتقالات أو خبطات أمنية كبيرة، رغم أن الزمن الذي كان يرتع فيه مجرمو الاحتلال وينفذون عملياتهم دون رقيب أو حسيب قد ولّى إلى غير رجعة، لكن الحسابات السياسية التي أصبحت بصماتها واضحة في سيرالقضية والتصريحات حولها وأسلوب التعامل معها، ستطيح بأي امكانية لتحقيق انجاز أمني رفيع المستوى وغير مسبوق، خاصة وأن التدخلات والضغوطات الدولية والغربية تحديداً ستبلغ مداها دفاعاً طفلهم المدلل والخارج عن القانون المسمى "اسرائيل"، دون الانتقاص مما تحقق من انجازات أمنية حتى الآن يسجل لصالح شرطة دبي وقيادتها.
وقفة جرد وحساب واعادة تقييم مطلوبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، لأن الهجمة شرسة، وتخطت الحدود والخطوط.
د. إبراهيم حمّامي
DrHamami@Hotmail.com11/2/2010

الخميس، 18 فبراير 2010

مقالة للدكتور إبراهيم حمّامي عن سلطة العار وضمير الضميري



ما أن أعلنت امارة دبي عن توقيف متهمين فلسطينيين اثنين في قضية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح رحمه الله، وتصريحات قائد شرطة دبي ضاحي خلفان بعلاقتهما بالسلطة، حتى سارع عدنان الضميري الناطق باسم أجهزة القمع التابعة لعباس/فياض في الضفة الغربية المحتلة ازدواجياً باتهام حماس وحكومتها و"سلطتها" بأنها هي المقصودة بالتصريحات، وقال في تصريحاته العنترية التي حاول الظهور فيها بمظهر العارف "الفهمان" بأنهما من قطاع غزة ومن أجهزة أمن حماس بل زاد أن أحدهما بتهمة رائد، متحدياً حماس بشكل مباشر ودبي بشكل غير مباشر بالافصاح عن اسميهما.
في حينها خرجت المواقع "الفتحاوية" والصحف "السلطوية" والوكالات "المستقلة جداً جداً" بتشكيك وتفسير أن شرطة دبي لم تحدد من المقصود بالسلطة هل هي رام الله أم غزة، ويومها قلنا سبحان الله الآن أصبحت وكالة معاً على سبيل المثال تعتبر حكومة غزة الشرعية سلطة وتشكك في حكومة رام الله الللاشرعية، كلها كانت محاولات بائسة للتغطية على فضيحة وجريمة أخرى كانت تلوح في الأفق، وزاد من الغموض موقف حماس الرسمي غير الواضح بالنسبة للمشتبه بهما.
اليوم حملت التقارير الصحفية اسمي المتهمين وعرّفتهما بأنهما من أجهزة مخابرات سلطة القمع في رام الله، بل زادت التقارير ووصفت الحملات المسعورة التي بذلتها "قيادات" في السلطة لاطلاق سراحهما، وفصلت في علاقتهما بهارب من غزة ومتنفذ من غزة من مسؤولي فتح، والتفاصيل موجودة لمن يرغب بمجرد بحث بسيط على أي محرك بحث، أو مراجعة مواقع وصحف عادة ما تميل نحو روايات السلطة كموقع ايلاف وصحيفة الحياة اللندنية.
نتساءل اليوم، أين الضميري ليعيد على أسماعنا ويطربنا بتحديه اياه، وليكشف لنا ما توصلت اليه مخابراته العتيدة – صاحبة بطولات بوركينا فاسو أيام الطيراوي الذي طار – وليعلن على الملأ وبذات النفس العنتري أسماء المتورطين والمشتبه بهم، وليبرأ سلطته العميلة المجرمة من كل قول وتصريح وتلميح، وكما يقول المثل الشعبي "أموت وأشوف وجهك يا ضميري وأنت تُسأل عن تصريحاتك"، مع التحفظ هنا أننا لا نستبعد أن ينفي الضميري تصريحاته السابقة المسجلة صوتاً وصورة كما فعله غيره من رموز أوسلو البائسة أكثر من مرة!
طبعاً لا نستبعد أيضاً أن يخرج غيره ليبرر ويتنصل ويجمَل، وربما نقرأ تقريراً نقلاً عن وكالة "نعنع" المعتمدة لدى البعض المستقل جداً كمصدر وحيد لبطولات السلطة البائدة كما فعلوا ابان جريمة تأجيل تقرير غولدستون.
سلطة العار تعيش اليوم مرحلة احتضار بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والمطلوب ليس وجوه جديدة أكثر كلاحة بدلاً من الوجوه الحالية الكالحة، ولا استبدال عباس بفياض، ولا اسقاط فلان لصالح علان، لكن المطلوب هو التخلص النهائي من سلطة العفن والعار، وانهاء هذا العبأ التاريخي الذي أورثته ايانا أوسلو ومن صنعها ووقع عليها – عليهم جميعاً من الله ما يستحقون.
لا ضمير ولا أخلاق ولا مباديء ولا احساس لدى رموز وعصابة أوسلو، ولا نتوقع منهم إلا ما يتصرفون به، ورغم ضربات وصفعات الاحتلال المتتالية لعبيدها الذين انتهت صلاحياتهم، وكُشفت عوراتهم، وباتت سيرهم على كل لسان، لم يتعلم هؤلاء الدروس ممن سبقهم، وبأن الاحتلال سيرمي بهم عند أول فرصة بعد أن انتهت صلاحيتهم، ويصرون على استكمال دورهم حتى النهاية، التي لن تكون إلا مزابل التاريخ.
لا نامت أعين الجبناء.
د. إبراهيم حمّامي
DrHamami@Hotmail.com 18/2/2010