الخميس، 26 يوليو 2012

فعاليات ندوة ونحن نبني حضارتنا قراءة في كتاب الأستاذ محمد فتح الله كولن ونحن نبني حضارتنا من خلال الندوة التي احتضنتها رحاب كلية الأداب والعلوم الإنسانية أكدال الرباط بتاريخ 25 صفر 1433ه الموافق 19 يناير 2012

كتاب أ فنح الله كولن ونحن نبني حضارتنا


حفل الإفتتاح :آيات من الذكر الحكيم


حفل الإفتتاح أ نوزاد صواش                                                        


مصطفي أزجان -تركيا-



كلمة للدكتور العربي بوسلهام :


د بشرى البداوي :                                                              


د كريمة بوعمري

د مهدية أمنوح

د محمد بيوض :


د وائل بن جالون :



د محمد النوحي :
أ. جمال ترك

دعبد الرحيم بن حادة


الجلسة الأولي :
د محمد بيوض



الجلسة التانية :     
د أحمد البوكيلي              


د محمد أمين السماعلي



د أحمد العمراني :

د محمد جكيب


الجلسة الثالثة :




د محمد ببا عمي (الجزائر)



د مريم أيت أحمد




د يوسف الكتاني :

د خالد الساقي :

د عبد الهادي الخمليشي :



د مصطفي الخلفي :

د عز الدين توفيق
 

د سليمان الدقور

د مصطفي الزباخ


عبد الله أجديرة رئيس المجلس العلمي لمدينة الرباط :

د عبد الحميد مدكور :


د عبد المجيد بوشبكة :

الجلسة الختامية : د العربي بوسلهام


د سعيد شبار رئيس المجلس العلمي مدينة بني ملال :


د عبد الكريم عكيوي


تقديم الهداية للطلاب :


الأحد، 22 يوليو 2012

(من كتاب أسئلة العصر المحيِّرة) للأستاذ محمد فتح الله كولن

































الأمر الإلهي "اِقْرَأْ" (العلق:1) أمر ودعوة إلهية؛ وُجّهت إلى أشرف المخلوقات صلى الله عليه وسلم -الذي تجلت فيه جميع الكمالات- ومن ثم إلى البشر أجمعين، وهذا الكون المعروض أمام أنظارنا لنتأمله ونفهم معناه ومحتواه، والشاهد على النظام الذي أنشأه الخالق، وعلى قدرته وعظمته وجماله،،، هذا الكون ليس إلاّ تجليا من تجليات اللوح المحفوظ، لقد جعل الله كل شيء في هذا الكون من أحياء أو جماد -عدا الإنسان- "قلماً" لكي يقوم كل موجود بوظيفة تسجيل ما أُودع فيه من تجليات وحكم.

كل موجود -سواء أكان حياً أم جماداً- يُعد كتاباً، لذا فلم يأت الأمر بصيغة "اُنظر وشاهد" بل بصيغة "اقرأ"، ذلك لأن الكتاب يُقرأ فحسب، وهذا الكون المتألق المملوء بالأحياء التي يُعد كل منها كتاباً،، هذا الكون بمثابة مكتبة إلهية غنية، لذا فبينما كُلّف كل موجود -عدا الإنسان- بوظيفة "الكتابة" كُلف الإنسان بوظيفة الكتابة ثم كُلّف بالأخص بوظيفة "القراءة".

والعلم عبارة عن معرفة تجليات النظام والعلاقات المختلفة الموجودة بين الأشياء في هذا الكون وتصنيفها وتبويبها، ولا يمكن إرجاع كل هذا النظام وكل هذه الدقة والتوازن في هذا النظام إلى المصادفة العمياء، لذا فلا بد من صاحب وواضع لمثل هذا النظام،، واضع واضح وجوده بأجلى ما يكون الوضوح.

قبل وضع أي نظام يتم أولاً تصوره تماماً مثلما يتصور المهندس المعماري تصميمه قبل أن يرسم هذا التصميم على الورق، فإذا وضعنا جانباً التركيب المادي للإنسان ولتفكيره وكيف يؤثر هذا التركيب على تصور الوجود عنده نقول: إنه إن كان اللوح المحفوظ هو هذا النظام الشامل الموجود بمقياس الكون، فإن القرآن هو النظام المسجل والمكتوب وهو مرآة اللوح المحفوظ، لذا كان على الإنسان أن يقرأ ويحاول أن يفهم كلما قرأ، قد يخطئ أحياناً في الفهم، ويدخل في تجارب الخطأ والصواب وهو يحاول الوصول بجوهر العلم إلى مرتبة الثقة به والاعتماد عليه.

النظرة شيء والمشاهدة شيء والفهم شيء آخر، ونقش ما تم فهمه وقبوله في القلب وفي الشعور شيء آخر، وبعد كل هذا فإن تطبيق ما قبِله شيء، ودعوة الآخرين لما قبِله شيء آخر، أجل، فكل هذه الأشياء المختلفة المتعلقة بالفهم وبالإدراك موجودة على الدوام، ذلك لأن هناك قوانين عديدة في الكون، وهي تجري من قبل واضعها بدقة وتناسق، منها:

1- السيْر من الوحدة إلى الكثرة.
2- وجود التشابه أو الفروق أو الأضداد بين هذه الكثرة.
3- وجود توازن فعال بين الأضداد.
4- التناوب، أي وجود المناوبة في الوظيفة.
5- التعلم والنسيان ثم التعلم من جديد.
6- صرف الجهد والعمل.
7- التحليل والتركيب.
8- الإلهام والكشف.

تنطبق هذه القوانين بأجمعها على الإنسان، لذا كان من الطبيعي وجود كثرة من الناس ووجود التشابه، وكذلك الفروق والاختلافات بينهم من ناحية الفكر والنظرة والعقيدة والسلوك والتصرف، ولكن هذه الفروق الفطرية والأضداد ليست ساكنة أو فارغة من المحتوى، بل هي فروق حية وفعالة وضمن إطار من التوازن، لذا كان من الطبيعي أن حركة تستهدف الإيمان فقط تُحرم من العلم، وأن حركة تستهدف العلم فقط تُهمل الإيمان وتحرم منه.

لذا كان هناك علم وجهل، إقرار وإنكار، فضيلة ورذيلة، عدل وظلم، حب وبغض، سلام وحرب، حياة متسمة بالكسل والخمول والتواكل، وحياة ترى أن الإنسان يستطيع عمل وإنجاز كل شيء وحده، لذا نراها حياة متسمة بالعجلة والتهور والجنون والشهوة، تقوم أحياناً بالبناء وأحيانا بالهدم.

لذا كان هناك احتمال نسيان ما تعلَّمَهُ الناسُ من ذلك الإنسان الفريد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أُرسل رحمة للعالمين، ولكن يجب تذكره من جديد، وتعلمه من جديد، كذلك فإنه في نهاية مثل هذه التجزئة والتحليل والتنويع سيكون هناك تناول جديد ونظرة جديدة وإلهام وظهور جديد.

كل هذا قد حصل ويجب أن يحصل، وهو مستمر في الحصول، فقد أُوحيت الأوامر العشرة إلى النبي موسى عليه السلام لتنظيم الحياة الاجتماعية، وألهم عيسى عليه السلام الحلم والشفقة والرحمة والمحبة والصبر والتحمل في العلاقات البشرية، كما ألهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم -علاوة على هذه الأمور- العلم والإرادة والحكمة والتوازن، وقابلية التحليل والتركيب في الفكر، وأوتي جوامع الكلم والبيان.

لذا كانت وظيفة المسلم -بوجه من الوجوه- أكثر مسؤولية وأصعب من وظائف الآخرين، ولكنها أكثر سموّا وألطف بنفس النسبة، لأنها تستلزم إلى جانب الأوامر العشرة وإلى جانب الأسس الاجتماعية من المحبة والصفح والعفو والحلم والشفقة والصبر والتحمل... تستلزم العلم والإرادة والحكمة والتواضع وجمع القلوب وتأليفها، أي تستلزم وتستوجب مرتبة إيمانية عالية.

لذا فإن الكشوفات التي تمت في ساحة علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا (علم الأحياء)، والتقدم الذي حصل فيها على أيدي العلماء والمكتشفين يستحق كل تقدير وتبجيل، لأنها كشفت الكثير من الحقائق المسجلة في القرآن الكريم -المسجل في اللوح المحفوظ- حول العديد من أسس العلاقات الموجودة في أرجاء الكون، ولكن يجب أيضا حفظ الإنسانية وصيانتها من الوقوع في ضلالة الأفكار مثل إنكار خالق الكون وبارئه ومصوره، أو رد وإنكار الإلهام والإرشاد والوحي الإلهي، أو القيام بتأليه الإنسان وجعل إرادته هي الحاكم المطلق.

إن لم تعط اتجاهات جديدة لعلوم الفيزياء والكيمياء والأحياء في ظل القوانين المكتشفة والمستندة إلى التجارب المختبرية، فإن هناك خطرا كبيرا أمام هذا المجتمع الذي بدأ فيه الإنسان -المغرور بهذه الاكتشافات- يتمرد ويحاول التملص من جميع القيود الإنسانية ويزداد جرأة وتقل فيه نـزعة المسؤولية، لذا وجب على هذا الإنسان -الذي أصبح نوعا من أنواع الحيوانات التي تجرى عليه التجارب في المختبرات بعيدا عن المقاييس الإنسانية- أن يتذكر بأنه إنسان، وأن هذا المجتمع ليس مختبرا لإجراء التجارب المختبرية عليه.

من المهم تخليص العلوم الحالية من الجمود والخمود ومن العبثية، وهذا يساعد على فهم مسألة المواضيع التي يهتم بها العلم بوضوح، كما يؤدي إلى قيام الإنسان بأداء ما يقع ضمن حصة إرادته وذهنه، ويستطيع آنذاك مشاهدة مكتسبات أحاسيسه وقلبه مشاهدة باطنية، عندئذ ينقلب المثقف إلى لسان فصيح وإلى قلب يستطيع قراءة الكون الموجود والموضوع أمامه ككتاب مفتوح سطرا سطرا، علما بأن من المستحيل تجاهل أن الكون لا يختلف عن كتاب، ولا سيما في الأوامر التكوينية، أي أوامر الخلق، حيث أن "القلم" كان أول ما خُلق،(1) لذا كان أول أمر في القرآن المنـزل هو "إقرأ ".

ولكن هذه المسألة ليست سهلة كما تبدو للوهلة الأولى، فمع وجود نظرة تقول بأن الإحساس والشعور يكون قويا بنسبة قوة الأحاسيس الظاهرية والباطنية، إلا أن وجود أي عارض في إحدى الحواس يؤثر سلبيا في الحواس الأخرى.
لذا نرى أن الصمم والعمى والبكم يرد معا في آيات القرآن ذي البيان المعجز،(2) لأنه مع كون قراءة الأوامر التكوينية بالعين ممكنا، إلا أن السمع هو الحاسة المملوءة بالأسرار التي تنعكس عليها الأوامر التنـزيلية أولا، أما اللسان فهو الذي يقوم بترجمة هذه المشاهدة وهذا السمع، لذا فمن لا يستطيع مشاهدة الآيات في الآفاق وفي النفس لا يستطيع سمع ما يتناهى إلى أذنيه، ولو سمعه لما فهمه، كذلك فإن القلب غير المتصل بالأوامر الإلهية لا يفهم ما يطرق سمعه ويرى أن من العبث الانشغال بالشريعة الفطرية.

إذن فإن "اقرأ" رمز للتوحد وللتكامل وللتكميل، ورمز للمشاهدة والتقييم والرؤية إلى جانب الحدس، وتعبير لساني عن هذه المعرفة الباطنية، وهو يحمل دلالات كبيرة لنا؛ لكونه أول أمر موجَّه إلينا.

لقد أطلنا شرح هذا الموضوع لأهميته وربما خرجنا عن الصدد أحيانا وتناولنا مواضيع أخرى، نأمل أن تكرار مطالعته والتفكير فيه وتحليله قد يعطي لنا بعض العذر في هذه الإطالة والخروج عن الصدد.

ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1)- حديث "إن أول شيء خلقه الله القلم ، فقال له : اكتب ، فقال : وما أكتب؟ فقال : القدَر ، فجرى من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ،،،" المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب التفسير، تفسير سورة ن والقلم - حديث: 3775.
(2)- انظر سورة البقرة: الآية 18 (صُمُّم بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)، وأيضا: الآية 171 (وَمَثَلُ الذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذِي يَنعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمُّم بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ).

الترجمة عن التركية: اورخان محمد علي.

(من كتاب أسئلة العصر المحيِّرة).

مولانا الإمام / فتح الله كولن










كتاب أضواء قرآنية في سماء الوجدان :هـذه -أخي القارئ- بعضٌ من أفكار ومشاعر ومعانٍ جاءت على صفحات هذا الكتاب، ومؤلف الكتاب العالم الكبير الأستاذ فتح الله كولن لم يزعم أنه في معرض التفسير لما تناوله من آيات قرآنية، على الرغم من امتلاكه لكل شروط المعرفة التفسيرية وأدواتها. وكُلُّ الذي فعله أنه سجّل في هذا الكتاب ما تلقاه من وَمَضاتٍ والْتماعات وإشارات من بعض مَا تَألّقَ في سماء وجدانه المرهف من نجوم القرآن، ومع ذلك فإنه لم يغفل تماماً آراء المفسرين في الآيات التي عرض لها، غير أنه توسع بعض الشيء فيها، وانقدحت في خاطره أفكارٌ وَمَعَانٍ جديدة مضافة، تحتملها الآية من حيث تركيبها اللغوي والبلاغي، ولا تشتطّ أبداً في الابتعاد عن أصول التفسير وقواعده المعروفة. ولا شك أنَّ هذه الخطرات أملتها ظروف العصر، وظروف الدعوة الإسلامية المعاصرة، وأوحت بها معارف العصر وعلومه وتوجهاته الفكرية والروحية.



يوجه القرآن خطابه للإنس وللجن أجمعين. يأمرهم وينهاهم ويضع بعض المحرمات 

أمامهم، وينقل كلامهم وكلام الشياطين. وهو في كل هذا معجز على الدوام. ولا يكمن 

إعجاز القرآن هنا في مجرد النقل، بل في كيفية هذا النقل، والعناصر والصور 

والنقوش التي يستعملها ويختارها. والناحية الإعجازية الأخرى فيه هي أن هذه 

الأخبار التي ينقلها غيبية.

أجل! فقبل كل شيء فإن اختيار القرآن للعناصر والأدوات اختيار رائع وخارق للعادة. 



ثم إن القرآن يستعمل هذه العناصر والأدوات في اسلوب مختلف معجز لا يمكن 


الوصول إليه ولا حتى مقاربته. اُسلوب يخرج عن طاقة الإنس والجن. ولكن لكي 


ندرك هذه الناحية علينا النظر إلى آيات القرآن نظرة واسعة وشاملة، ولكي نوضح هذا 


الإعجاز علينا إعطاء بعض الأمثلة وبعض التفاصيل:

كثيراً ما نحس بأحاسيس ومشاعر في أعماق أرواحنا، ولكننا نعجز عن التعبير عنها، 



عند ذلك نئن تحت ألم العجز ونقول كما قال الشاعر "محمد عاكف":

أبكي وأنوح... ولكن لا أستطيع إثارة البكاء!



أحس بالألم… ولكن لا أستطيع بث لواعجي


آه من قلبي الأخرس!... كم أشكو منه!

أجل! هناك العديد من الأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير بدقة عن أحاسيسهم 



العميقة عندما يتحدثون أو يكتبون فيطوون قلوبهم على آلام هذا العجز... وهذا العجز 


قد يكون عجزاً نسبياً أو مطلقاً لمن لا يستطيع التعبير بكل سهولة ويسر عن كل شئ، 


ويظهر هنا في الجهة الأخرى الإعجاز النسبي أو المطلق كذلك. فإن كان هناك إعجاز 


مطلق فهو خاص بالقرآن الكريم فقط.

فإن تناولنا القرآن من هذه الزاوية نستطيع أن نقول: "سواء أتكلم القرآن بلسان 



الشيطان أو الجن أو الملك أو فرعون أو نمرود أو شدّاد فإن الأسلوب المستخدم في 


البيان والإفصاح يعود للقرآن تماماً. وهذا الأسلوب خارق للعادة إلى درجة أن بابه 


يظل مفتوحاً لجميع المعاني الإشارية والرمزية، ويكون صالحاً لتفاسير واسعة، ولا 


يوجد أي بيان آخر يستطيع التعبير عن غايته بهذا الأسلوب ولا استعمال مثل هذه 


الأدوات والعناصر والصور والأشكال بهذه الروعة المعجزة.

نستطيع -إن أحببتم ذلك- تناول الموضوع من زاوية مختلفة:

لكل كلام توجهات مختلفة نحو اللطائف الربانية في الإنسان كالقلب والسر والخفي 



والأخفى، حيث يستهدف الوصول إلى هذه اللطائف. فإن كان فيه تناقضات بين هذه 


المراتب من ناحية المعنى دل ذلك على نقص في هذا الكلام. وهذا النقص موجود -


بنسب مختلفة- في البيان البشري بأجمعه. أما القرآن فبريء من مثل هذا النقص 


ومنـزّه عنه.

وهنا يرد شيء آخر كذلك، وهو إن كانت المعاني الواردة إلى القلب قد نخلت وصفيت 



من خلال التخيل والتصور والتعقل وحافظت على نفسها ووصلت إلى مرحلة اللفظ 


والإفصاح عُدّ هذا بياناً ممتازاً. أحياناً لا يستطيع الكلام تجاوز هذه المراتب دون تغيير 


وتبديل، فيبقى في إطار الحديث للنفس، وتفوته فرصة الوصول إلى مرحلة اللفظ 


والتعبير الخارجي. أما تعبير علام الغيوب -الذي يعلم السر وأخفى- عن هذا الحديث 


النفسي الصامت فمسألة أخرى لا نريد الخوض فيها، لأننا نريد هنا الاقتصار فقط على 


الكلام الملفوظ: إن كان الكلام قد أُسْتُطيعَ التعبير عنه كما تم تخيله، أي إن كانت النية 


وإرادة التعبير متناغمة مع التعبير فمثل هذا الكلام كلام تام وكامل. فإن كان العكس، 


أي إن لم يستطع التصور احتضان التخيل بشكل كامل والإحاطة به، عدّ هذا التعبير أقل 


مرتبة من التعبير السابق. فإن لم تستطع ملكة التعقل التعبير عن المعاني المحملة 


عليها فهذا يعني أنها فقدت بعض أعماق التصور والخيال. وهكذا فالكلام الذي يفقد 


الشيء الكثير بالنسبة إلى مستوى الخيال الرفيع عند مروره من هذه المراحل 


والمراتب يُعد كلاماً ناقصاً. أما الكلام الذي يستطيع التعبير عن معاني صاحبه 


ومفاهيمه ونيته بعمق فهو الكلام الكامل التام. والمثال الرائع الوحيد لمثل هذا الكمال 


هو القرآن الكريم. لذا يجب البحث عن هذا الكمال في محافظة القران على عمق الخيال 


والتصور عند قيامه بنقل الكلام عن أي كائن.

وما من أحد يستطيع الإتيان بهذا بمثل هذا الكمال وبمثل هذه الروعة. أجل فما من أحد 



-سواء أكان ذلك إنساً أم جناً أم ملكاً- يستطيع اصطياد المعاني وهي في مرحلة التخيل 


والنية، ثم نقلها إلى مرحلة التعبير بمثل هذا الكمال. أي أننا لا نستطيع أبداً النجاح في 


تحقيق هذه المقاييس في الكلام والبيان. إذن فالبيان القرآني الذي حقق هذه المقاييس 


بدرجة الكمال بيان يعجز عنه الآخرون، أي هو بيان معجز وإلهي.

مدخل كتاب
"أضواء قرانية في سماء الوجدان"

لمولانا الإمام / فتح الله كولن


كثيراً ما نحس بأحاسيس ومشاعر في أعماق أرواحنا، ولكننا نعجز عن التعبير عنها، 


عند ذلك نئن تحت ألم العجز ونقول كما قال الشاعر "محمد عاكف":


أبكي وأنوح... ولكن لا أستطيع إثارة البكاء!



أحس بالألم… ولكن لا أستطيع بث لواعجي



آه من قلبي الأخرس!... كم أشكو منه!


أجل! هناك العديد من الأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير بدقة عن أحاسيسهم 


العميقة عندما يتحدثون أو يكتبون فيطوون قلوبهم على آلام هذا العجز... وهذا العجز 


قد يكون عجزاً نسبياً أو مطلقاً لمن لا يستطيع التعبير بكل سهولة ويسر عن كل شئ، 


ويظهر هنا في الجهة الأخرى الإعجاز النسبي أو المطلق كذلك. فإن كان هناك إعجاز 


مطلق فهو خاص بالقرآن الكريم فقط.


فإن تناولنا القرآن من هذه الزاوية نستطيع أن نقول: "سواء أتكلم القرآن بلسان 


الشيطان أو الجن أو الملك أو فرعون أو نمرود أو شدّاد فإن الأسلوب المستخدم في 


البيان والإفصاح يعود للقرآن تماماً. وهذا الأسلوب خارق للعادة إلى درجة أن بابه 


يظل مفتوحاً لجميع المعاني الإشارية والرمزية، ويكون صالحاً لتفاسير واسعة، ولا 


يوجد أي بيان آخر يستطيع التعبير عن غايته بهذا الأسلوب ولا استعمال مثل هذه 


الأدوات والعناصر والصور والأشكال بهذه الروعة المعجزة.


نستطيع -إن أحببتم ذلك- تناول الموضوع من زاوية مختلفة:


لكل كلام توجهات مختلفة نحو اللطائف الربانية في الإنسان كالقلب والسر والخفي 


والأخفى، حيث يستهدف الوصول إلى هذه اللطائف. فإن كان فيه تناقضات بين هذه 


المراتب من ناحية المعنى دل ذلك على نقص في هذا الكلام. وهذا النقص موجود -


بنسب مختلفة- في البيان البشري بأجمعه. أما القرآن فبريء من مثل هذا النقص 


ومنـزّه عنه.


وهنا يرد شيء آخر كذلك، وهو إن كانت المعاني الواردة إلى القلب قد نخلت وصفيت 


من خلال التخيل والتصور والتعقل وحافظت على نفسها ووصلت إلى مرحلة اللفظ 


والإفصاح عُدّ هذا بياناً ممتازاً. أحياناً لا يستطيع الكلام تجاوز هذه المراتب دون تغيير 


وتبديل، فيبقى في إطار الحديث للنفس، وتفوته فرصة الوصول إلى مرحلة اللفظ 


والتعبير الخارجي. أما تعبير علام الغيوب -الذي يعلم السر وأخفى- عن هذا الحديث 


النفسي الصامت فمسألة أخرى لا نريد الخوض فيها، لأننا نريد هنا الاقتصار فقط على 


الكلام الملفوظ: إن كان الكلام قد أُسْتُطيعَ التعبير عنه كما تم تخيله، أي إن كانت النية 


وإرادة التعبير متناغمة مع التعبير فمثل هذا الكلام كلام تام وكامل. فإن كان العكس، 


أي إن لم يستطع التصور احتضان التخيل بشكل كامل والإحاطة به، عدّ هذا التعبير أقل 


مرتبة من التعبير السابق. فإن لم تستطع ملكة التعقل التعبير عن المعاني المحملة 


عليها فهذا يعني أنها فقدت بعض أعماق التصور والخيال. وهكذا فالكلام الذي يفقد 


الشيء الكثير بالنسبة إلى مستوى الخيال الرفيع عند مروره من هذه المراحل 


والمراتب يُعد كلاماً ناقصاً. أما الكلام الذي يستطيع التعبير عن معاني صاحبه 


ومفاهيمه ونيته بعمق فهو الكلام الكامل التام. والمثال الرائع الوحيد لمثل هذا الكمال 


هو القرآن الكريم. لذا يجب البحث عن هذا الكمال في محافظة القران على عمق الخيال 


والتصور عند قيامه بنقل الكلام عن أي كائن.



وما من أحد يستطيع الإتيان بهذا بمثل هذا الكمال وبمثل هذه الروعة. أجل فما من أحد 


-سواء أكان ذلك إنساً أم جناً أم ملكاً- يستطيع اصطياد المعاني وهي في مرحلة التخيل 


والنية، ثم نقلها إلى مرحلة التعبير بمثل هذا الكمال. أي أننا لا نستطيع أبداً النجاح في 


تحقيق هذه المقاييس في الكلام والبيان. إذن فالبيان القرآني الذي حقق هذه المقاييس 


بدرجة الكمال بيان يعجز عنه الآخرون، أي هو بيان معجز وإلهي.


مدخل كتاب



"أضواء قرانية في سماء الوجدان"



لمولانا الإمام / فتح الله كولن


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾(الفَاتِحَة:5)


كما نعلم جميعاً وكما ورد في جميع التفاسير فإن مضمون النكتة هنا من تقديم 


المفعول به هو باختصار: اللهم إننا لا نقر ولا نعترف إلاّ بألوهيتك ولا نذعن لأحد 


سواك. ولا نجد الاطمئنان والسكينة والسلوى إلاّ عندك.


والنكتة الأخرى التي تستحق التسجيل هنا هي أنه عوضاً عن استعمال صيغة الماضي 


"عبد" وردت صيغة المضارع للفعل نفسه "نعبد". لأن صيغة الماضي تتضمن معاني 


أمثال: عبدنا... صلينا... فعلنا كذا وكذا... أي هناك بعض معاني الغرور التي لا 


تتناسب مع روح العبادة والعبودية.

أما في صيغة "نعبد" فلا توجد أي إيماءة لمثل سوء الفهم هذا، لأن فعل "نعبد" يشير 



إلى عجز الإنسان وفقره أمام الحضرة الإلهية العظمى ودوام معرفة هذا العجز وهذا 


الفقر، ونستطيع تلخيص ما يريد أن يقوله الإنسان هنا هكذا:

"يارب!... لقد عقدت العزم على ألا أضحي بحريتي ولا أذل نفسي لأي أحد سواك. لذا 



فأنا أتوجه اليك وإلى بابك بملء نفسي بنية العبودية والذل، وأقبل على عبادتك 


وإطاعتك بنفس ملؤها الشوق والوجد، عاقداً العزم على تجنب معصيتك وكل ما لا 


تحبه وما لا ترضاه... نيتي هي أكبر وأفضل من عملي، وأنا أتضرع اليك أن تقبل 


نيتي عملاً عندك! عملاً بمقياس ما أنوي عمله وليس بمقياس ما عملته يارب!..."

ثم إنه يؤكد بأنه ليس وحده في معرض هذا الرجاء والتضرع، بل يقول إن إخوانه 



يشتركون معه في هذا الرجاء والتضرع، أي يعرض هنا حسن ظن واسع وشامل. وفي 


الوقت نفسه يضم تأييدهم واشتراكهم إلى جانبه فيضمن اتفاقاً وإجماعاً لا يمكن جرحه 


وهو يتوجه إلى باب قاضي الحاجات، فيتخلص من وساوس الشيطان ويعطي صورة 


كاملة للعبودية الكاملة تجاه الألوهية الكاملة والمطلقة.

من كتاب


"أضواء قرانية في سماء الوجدان"


لمولانا الإمام / فتح الله كولن


أما في صيغة "نعبد" فلا توجد أي إيماءة لمثل سوء الفهم هذا، لأن فعل "نعبد" يشير 


إلى عجز الإنسان وفقره أمام الحضرة الإلهية العظمى ودوام معرفة هذا العجز وهذا 


الفقر، ونستطيع تلخيص ما يريد أن يقوله الإنسان هنا هكذا:


"يارب!... لقد عقدت العزم على ألا أضحي بحريتي ولا أذل نفسي لأي أحد سواك. لذا 


فأنا أتوجه اليك وإلى بابك بملء نفسي بنية العبودية والذل، وأقبل على عبادتك 


وإطاعتك بنفس ملؤها الشوق والوجد، عاقداً العزم على تجنب معصيتك وكل ما لا 


تحبه وما لا ترضاه... نيتي هي أكبر وأفضل من عملي، وأنا أتضرع اليك أن تقبل 


نيتي عملاً عندك! عملاً بمقياس ما أنوي عمله وليس بمقياس ما عملته يارب!..."


ثم إنه يؤكد بأنه ليس وحده في معرض هذا الرجاء والتضرع، بل يقول إن إخوانه 


يشتركون معه في هذا الرجاء والتضرع، أي يعرض هنا حسن ظن واسع وشامل. وفي 


الوقت نفسه يضم تأييدهم واشتراكهم إلى جانبه فيضمن اتفاقاً وإجماعاً لا يمكن جرحه 


وهو يتوجه إلى باب قاضي الحاجات، فيتخلص من وساوس الشيطان ويعطي صورة 


كاملة للعبودية الكاملة تجاه الألوهية الكاملة والمطلقة.




من كتاب


"أضواء قرانية في سماء الوجدان"


لمولانا الإمام / فتح الله كولن
كلمة "هدى" الواردة في الآية الكريمة هي بصيغة المصدر، وتحمل معنى أن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى الهداية وإلى الهدف المنشود وراءها دون جهده الخاص، وبتعبير آخر فإننا إن أخذنا التنوين أيضاً بنظر الاعتبار نعلم بأن هذا الكتاب -الذي لا توجد فيه ذرة واحدة من الشك والريبة- هو مصدر الهداية للمتقين... للمتقين فقط، لأن نفوسهم خلت من الشبه والريب، وتوجهت قلوبهم وأرواحهم لتقبل الحق ورعاية سنن الفطرة الإلهية وشريعته الغراء، وصفت نفوسهم واستعدت لقبول الهداية والاستفادة منها دون أن يمنعهم عن ذلك أي فكر أو حكم مسبق.

ولكن كلمة "هدى" الموجودة في آخر الآية ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ (البقرة: 5) مذكورة بصيغة المصدر، أي أن الله تعالى قد يتكرم على عباده بالهداية دون وجود علاقة السبب والنتيجة التي خلقها وجعلها من أسباب الهداية. وباب التقوى هو الباب الذي يوصل وينفتح على هذا الكرم والعطاء. والمرتبة الأولى لمثل هذه التقوى هي الإيمان والمعرفة الحقة، والمرتبة الأخيرة هي الوصول إلى مرضاة الله تعالى. وكما جاء في التصريح المختصر للآية لا يجد طريق الخلاص إلا من وصل إلى هذا المستوى من التقوى. ثم إنه على الرغم من سياق الآية وكون الهداية مرتبطة بايجاد الله تعالى لها فإن وصول الإنسان إلى الأمن والأمان وإلى الاطمئنان في الدنيا، وإلى الفلاح يوم القيامة يرجع بمقياس كبير إلى سلوكه وتصرفاته التي يبديها بإرادته الحرة.

اذن يمكن القول باختصار بأن كلمة "الهدى" الأولى سبب، وكلمة "الهدى" الثانية نتيجة مُضَمَّخَضة بعطر اللطف والإحسان، وكلتاهما جواب لدعاء "اهدنا" الوارد في سورة الفاتحة، وبيان كذلك لكيفية السلوك للموجودين على الصراط.

من كتاب
"أضواء قرانية في سماء الوجدان"