السبت، 23 يونيو 2012

مسار الأستاذ فتح الله كولن


حياته :
كان والده (رامز أفندي) شخصًا ‏مشهودًا لـه بالعلم والأدب والدين، وكانت والدته (رفيعة خانم) سيدة معروفة بتدينها وبإيمانها العميق بالله، ‏وقامت بتعليم القرآن لابنها محمد ولما يتجاوز بعد الرابعة من عمره، حيث ختم القرآن في شهر واحد. وكانت ‏أمه توقظ ابنها وسط الليل وتعلمه القرآن.
كان بيت والده مضيفًا لجميع العلماء والمتصوفين المعروفين في تلك المنطقة لذا تعود محمد فتح الله مجالسة ‏الكبار والاستماع إلى أحاديثهم. وقام والده بتعليمه اللغة العربية والفارسية.
درس في المدرسة الدينية في طفولته وصباه، وكان يتردد إلى (التكية) أيضًا، أي تلقى تربية روحية إلى ‏جانب العلوم الدينية التي بدأ يتلقاها أيضًا من علماء معروفين من أبرزهم عثمان بكتاش الذي كان من أبرز ‏فقهاء عهده، حيث درس عليه النحو والبلاغة والفقه وأصول الفقه والعقائد. ولم يهمل دراسة العلوم الوضعية والفلسفة أيضاً. في أثناء أعوام دراسته تعرف برسائل النور وتأثر بها كثيراً، فقد كانت حركة تجديدية وإحيائية ‏شاملة بدأها وقادها العلامة بديع الزمان سعيد النورسي مؤلف (رسائل النور).‏
وبتقدمه في العمر ازدادت مطالعاته وتنوعت ثقافته وتوسعت فاطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها ‏وعلى الفلسفة الشرقية أيضاً وتابع قراءة العلوم الوضعية كالفزياء والكمياء وعلم الفلك وعلم الأحياء...إلخ.
عندما بلغ محمد فتح الله العشرين من عمره عيّن إماماً في جامع (أُوجْ شرفلي) في مدينة أدرنة حيث ‏قضى فيها مدة سنتين ونصف سنة في جو من الزهد ورياضة النفس. وقرر المبيت في الجامع وعدم الخروج إلى ‏الشارع إلا لضرورة.‏
بدأ عمله الدعوي في أزمير في جامع (كستانه بازاري) في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع. ثم عمل ‏واعظاً متجولاً، فطاف في جميع أنحاء غربي الاناضول. وفي خطبه ومواعظه كان يربي النفوس ويطهرها من ‏أدرانها، ويذكرها بخالقها وربها ويرجعها إليه. كانت النفوس عطشى، والأرواح ظمآى إلى مثل هذا المرشد ‏الذي ينير أمامها الطريق إلى الله وإلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم‏.‏
وكان يجوب البلاد طولاً وعرضاً كواعظ متجول يلقي خطبه ومواعظه على الناس في الجوامع. كما كان ‏يرتب المحاضرات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية.‏
ويعقد الندوات والمجالس واللقاءات الخاصة يجيب فيها على الأسئلة الحائرة التي تجول في أذهان الناس ‏والشباب خاصة ولا يعرفون لها أي جواب مما كان يلقي بهم في مهالك الشبهة والإلحاد. فكانت أجوبته هذه ‏بلسماً شافياً لعقول وقلوب هؤلاء الشباب والناس مما جعلهم يلتفون حوله ويطلبون إرشاداته. كما حثّ أهل ‏الهمة والغيرة على الاهتمام بمجال التعليم. ونتيجة لذلك قام هؤلاء الذين استفادوا من أفكاره - دون انتظار ‏أي نفع مادي أو دنيوي - وضمن إطار القوانين المرعية في تركيا بإنشاء العديد من المدارس والأقسام الداخلية، ‏وبإصدار الجرائد والمجلات وإنشاء المطابع وتأليف الكتب ومحطة إذاعة وقناة تلفزيونية. وبعد انهيار الإتحاد السوفيتي انتشرت هذه المدارس في العالم بأسره، وخاصة في دول آسيا الوسطي التي عانت من الاحتلال الروسي ومن الإلحاد الشيوعي سبعين عاماً تقريبا

التسامح والحوار :

بدأ الأستاذ فتح الله -ولا سيما بعد عام 1990- بحركة رائدة في الحوار والتفاهم بين الأديان وبين ‏الأفكار الأخرى متسمة بالمرونة والبعد عن التعصب والتشنج، ووجدت هذه الحركة صداها في تركيا ثم في ‏خارجها. ووصلت هذه الحركة إلى ذروتها في الاجتماع الذي تم عقده في الفاتيكان بين الشيخ فتح الله وبين البابا إثر دعوة البابا لـه. لقد آمن بان العالم أصبح -بعد تقدم وسائل الاتصالات- قرية عالمية لذا فان أي ‏حركة قائمة على الخصومة والعداء لن تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية، وأنه يجب الانفتاح على العالم بأسره، ‏وابلاغ العالم كله بان الإسلام ليس قائماً على الإرهاب -كما يصوره أعداؤه- وان هناك مجالات واسعة ‏للتعاون بين الإسلام وبين الأديان الأخرى.

أبو الإسلام الإجتماعي :

على عكس نجم الدين أربكان الذي يعد أبو الإسلام السياسي في تركيا، فإن فتح الله كولن هو أبو الإسلام الاجتماعي. فهو مؤسس وزعيم "حركة كولن"، وهى حركة دينية تمتلك مئات المدارس في تركيا، ومئات المدارس خارج تركيا، بدءا من جمهوريات آسيا الوسطى، وروسيا وحتى المغرب وكينيا وأوغندا، مرورابالبلقان والقوقاز . كما تملك الحركة صحفها ومجلاتها وتلفزيوناتها الخاصة، وشركات خاصة وأعمال تجارية ومؤسسات خيرية. ولا يقتصر نشاط الحركة على ذلك بل يمتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دول العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في بريطانيا والإتحاد الأوروبي وأمريكا، بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية من اجل دراسة الحركة وتأثيرها وجذورها الثقافية والاجتماعية.

منهجه :

أدرك فتح الله كولن في وقت مبكر أن المجتمع التركي، ومجتمعات العالم الإسلامي عامة تعاني من ثلاث علل كبرى هي: الجهل، والفقر، والتفرق. فنذر نفسه للدعوة إلى العلم والعمل لتفعيل مشروع تربوي متكامل، وحثِّ الأثرياء على التضامن الاجتماعي ومساعدة الفقراء والاستثمار في مجالي التربية والتعليم، واتخاذِ التواصل والحوار البنّاء سبيلاً لحل الخلافات المستشرية، وتأسيس ثقافة التعايش، ونشر السلام على كل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية؛ وقد انتشرت أفكاره وأحلامه في كل الطبقات الاجتماعية، وكثر محبّوه في مختلف أنحاء العالم. وقد أكد دوما أن مكمن المشكلة هو الإنسان، وما لم نُعِد صياغة الإنسان صياغة صالحة فلن يتأتى لنا حل مشكلاتنا المستعصية، ومن ثم سعى طيلة حياته على أن يُخرج نموذج الإنسان المسلم المثالي المتمسك بجذوره الروحية، المنفتح على ثقافات العالم ومتطلبات العصر، الموفق بين العقل والقلب والسلوك، الواقف نفسه لخدمة الإنسانية كسْبا لمرضاة الله تعالى، إيمانا منه بأن هذه هي رسالة الإسلام الحقيقية والسبيل التي سار عليها كافة الأنبياء ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. لذا تميزت كافة المشاريع التي حث على إنجازها ببعدها الإنساني الشامل حيث حرصت على خدمة الإنسان من حيث هو إنسان، دون تمييز بين عرق أو لغة أو دين أو ثقافة.

ومن ثم فإلى جانب أعمال الإغاثة الإنسانية للمنكوبين وضحايا الحروب، فقد غطّت خدمات مؤسسات محبّيه القارات كلها، ولاسيما في مجال التربية والتعليم، حيث تميزت المدارس بالجودة العالية والتناغم بين معطيات العلوم والقيم الأخلاقية، مما جعلها تتبوأ المراتب الأولى وتحقق النجاح الباهر أينما فتحت في العالم، ويتنافس عليها النخبة والعامة ليسجلوا فيها أبناءهم.

فهناك المؤسسات التعليمية (حوالي أكثر من 1000 مدرسة خاصة، وعدد من الجامعات، ومئات المدن الجامعية، وبيوت الطلبة)، وهناك المؤسسات الإعلامية (صحف ـ ومجلات ـ ومحطات إذاعية ـ وفضائيات تبث بعدة لغات، وهي قنوات: ثقافية ـ إخبارية ـ اجتماعية ـ للأطفال)، إلى جانب مؤسسات العلاج والمشافي الصحّية، وعدد من أكبر دور النشر في تركيا وخارجها، وجمعيات ومنتديات لرجال الأعمال والتجار. وهناك عشرات المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، تبثّ بـ 22 لغة، وتنشر مقالاته ومؤلفاته وأخباره  موقع 
ما تتميز به حركة كولن عن باقي الحركات الإسلامية في المنطقة والعالم هو أنها غالبا تلقى ترحيبا كبيرا من الغرب. إذ تعتبر هي "النموذج" الذي ينبغي ان يحتذى به بسبب "انفتاحها" على العالم، وخطابها الفكري. فمثلا إذا كان أربكان يرى أميركا عدوا للعالم الإسلامي بسبب تحكم "الصهيونية العالمية" في صنع القرار فيها، فإن كولن يرى ان اميركا والغرب عموما قوى عالمية لابد من التعاون معها. وإذا كان أربكان يرى ضرورة الوحدة بين العالم الإسلامي، وهي الافكار التي بلورها عمليا في تأسيسه مجموعة الثماني الإسلامية، فإن كولن لا ينظر إلى العالم العربي وإيران بوصفهما المجال الحيوي لتركيا، بل يعتبر القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان هم المجال الحيوي لتركيا، فهذه البلدان تضم اقليات تركية هامة، وهو يرى انه إذا كان لتركيا يوما ما ان تعود لمكانتها بوصفها واحدة من أهم دول العالم، كما كانت خلال الدولة العثمانية، فلابد من نفوذ قوي لها وسط الاتراك في كل مكان في العالم. لكن كولن من البراغماتية والذكاء بحيث لا يستخدم تعبير "القيادة التركية" في المنطقة، كما لا يدعو إلى استقلال الاقليات التركية في وسط آسيا، ولا تمارس جماعته انشطة تعليمية في البلاد التي يمكن ان تتعرض فيها الاقلية التركية لمشاكل من قبل النظم الحاكمة مثل الصين وروسيا واليونان.
وأول ما يلفت النظر في كولن هو أنه لا يفضل تطبيق الشريعة في تركيا، ويقول في هذا الصدد ان الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، فيما الاقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وانه لا داعي لتطبيق احكام الشريعة في الشأن العام. ووفقا لهذا يعتقد كولن انالديمقراطيةهي أفضل حل، ولهذا يكن عداء للأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي. ومع ان اربكان ينظر اليه بوصفه استاذ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم تشير إلى ان كولن هو أستاذ اردوغان الحقيقي.
ازدهرت حركة فتح الله كولن في إطار انتعاش الحركات والطرق الدينية في تركيا في الثمانينيات من القرن الماضي. فبعد الانقلاب العسكري بقيادة كنعان إفرين عام1980، والقرارت التي اتخذتها الحكومة العسكرية والمتعلقة بتحرير الإقتصاد وخصخصة الاعلام واتاحة حرية عمل أكبر، للمنظمات المدنية بما في ذلك الجماعات الدينية، بدأت الطرق الدينية في الازدهار ومنها "طريقة النور" التي أسسها الصوفي الكردي سعيد النورسي(1873- 1960) والتي خرجت منها وتأثرت بها لاحقا حركة كولن. وجوهر فلسفتها ايجاد مجتمع إسلامي ملتزم، لكن في الوقت نفسه متلهف للمعرفة والتكنولوجيا الحديثة والتقدم لإنهاء تقدم العالم الغربي على العالم الإسلامي. واليوم يقترن اسم فتح الله كولن بمصطلح الإسلام التركي المتنور أو المعتدل، إذ حاول فتح الله كولن مع مؤيديه تأسيس حركة دينية سياسية اجتماعية حديثة تمزج الحداثة، بالتدين بالقومية بالتسامح بالديمقراطية. ووضع الإسلام والقومية والليبرالية في بوتقة واحدة. وكتبت الكثير من الدوريات الغربية عن كولن تصوره كزعيم حركة اجتماعية إسلامية قومية غير معاد للغرب، ووجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط، لكن معارضيه يقولون عنه انه الخطر الحقيقي على العلمانيةالتركية، ويتهمونه بمحاولة تقويض العلمانية التركية عبر أسلمة الممارسات الاجتماعية للاتراك.
في الفترة الأخيرة عدل من منهجه ليتوافق مع متطلبات القومية التركية مضيف اليه مسألة شرعية محاربة الارهاب واقام علاقات جيدة مع الدوائر الأمريكية ومنها دوائر القرار السياسي.

خروجه من تركيا :

وليس هناك سبب علني رسمي لأسباب مغادرة كولن تركيا إلى اميركا. لكن متاعب كولن مع السلطات التركية بدأت في 18 يونيو(حزيران) عام 1999 عندما تحدث في التلفزيون التركي، وقال كلاما أعتبره البعض انتقادا ضمنيا لمؤسسات الدولة التركية. وبعد ذلك بدأ المدعي العام للدولة تحقيقا في تصريحات كولن، وساعتها تدخل رئيس الوزراء التركي انذاك بولنت اجاويد ودعا الدولة إلى معالجة الامر بهدوء، بدلا من فتح الموضوع للنقاش على المحطات التلفزيونية التركية، كما دافع عن كولن وعن مؤسساته التعليمية وقال: "مدارسه تنشر الثقافة التركية حول العالم، وتعرف تركيا بالعالم. مدارسه تخضع لإشراف متواصل من السلطات". بعد ذلك اعتذر كولن علانية عن تصريحاته، إلا أن بعض العلمانيين ظلوا متشككين في أهدافه، ولاحقا وجهت له اتهامات بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش.
بعد تلك الأزمة حدثت ازمة لقطة الفيديو الشهيرة التي بثت على اليوتيوب وظهر فيها كولن وهو يقول لعدد من أنصاره أنه سيتحرك ببطء من اجل تغيير طبيعة النظام التركي من نظام علماني إلى نظام إسلامي، كما تحدث عن نشر الثقافة التركية في أوزبكستان، مما اثار موجه غضب في الجيش التركي وباقي المؤسسات العلمانية في البلاد. كما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين تركيا وأوزبكيستان دفعت بولند أجاود للتدخل مجددا في محاولة لحلها. وقال أجاويد:الرئيس الاوزبكستاني لديه مخاوف غير مبررة تتعلق بتركيا. تركيا لا تتدخل في الشؤون الداخلية لاوزبكستان. لا يمكن ان نسمح بالإساءة إلى العلاقات بين البلدين بسبب مخاوف غير ضرورية". لكن أوزبكستان قررت إغلاق عدد من المدارس التابعة لكولن. ويبدو أنه خلال هذا الوقت كانت المؤسسة العلمانية في تركيا بدأت هي أيضا تستشعر قلقا متزايدا من كولن ومؤسساته التعليمية، فأصدرت هيئة التعليم العالي في تركيا قرارا يقضي بعدم الاعتراف بالشهادات العلمية التي تعطيها مدارس كولن، لكن هذا القرار كان مؤقتا.لكن كولن يقول بأنه مقيم في أمريكا بسبب العلاج.

مؤلفاته :

لفتح الله كولن 60 كتابا، وقد حصل على العديد من الجوائز على كتبه هذه، وأغلبها حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين، والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم.ألف في السيرة النبويه كتابا حديثا أسماه (النور الخالد) الدراسة العلميه لسيرة النبويه ، لديه كتاب ونحن نبني حضارتنا ، وكتاب جيل الحداثة وكتاب التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح وكتاب روح الجهاد وحقيقته في الإسلام وكتاب أسئلة العصر المحيرة كتاب ونحن نقيم صرح الروح كتاب الموازين أو أضواء علي الطريق ،القدر في ضوء الكتاب والسنة حقيقة الخلق ونظرية التطور ،طرق الإرشاد ، ترانيم روح وأشجان قلب....


المصدر : wikipedia و صفحة الأستاذ فتح الله علي +google












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق